حيثما ذكرت محاولة الطيران الأولى للبشر ذكر معها اسم هذا العالم الجليل الذي عاش في الأندلس ما بين 810-887م. ويشهد التاريخ على فعلته المتهورة التي كاد أن يموت بسببها، ولكنها صارت مثالاً ناجحاً لكل من أتى بعده، فقد تمكن بالفعل من الطيران بعد أن قفز من مكان بالقرب من قصر الرصافة حسب ما ذكر في كتاب “نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب”.
كان ابن فرناس يراقب الطيور باستمرار في تحليقها، حتى تمكن من معرفة الحركات التي تقوم بها لتطير في الجو، فأيقن أنه بالإمكان محاكاة الطيور فيما تفعل، فشرع يصنع أجنحة ليحلق بها في سماء الأندلس، ودرس ما كان قد رصده عن الطيور بتمعن قبل أن يقوم بعمله المتهور.
كانت تلك هي لحظة حاسمة في تاريخ البشرية أجمع، حين قفز ابن فرناس في الجو وبدأ يرفرف بأجنحته الاصطناعية، والجميع يشاهد تجربته الجديدة بإعجاب وذهول، وبالفعل استطاع أن يفعل مالم يفعله غيره من عامة الناس، استطاع أن يحلق مثل الطيور معلنا بذلك خطوة غير مسبوقة في تاريخ البشر، ولكنه أدرك وهو يطير أنه قد ارتكب خطأً فادحاً، فقد أهمل دور الذيل في التحكم باتجاه الطيران، فسقط على الأرض ولحقت به بعض الإصابات التي تعافى منها لاحقاً.
اتهم ابن فرناس في عصره بالشعوذة والدجل لما كان يفعل من تجارب واختراعات علمية غير معهودة عن عامة الناس، أما الآن فقد صار اسمه رمزاً للشرق والغرب، حتى صعد اسمه إلى الفضاء؛ فقد سميت أحد فوهات القمر باسمه، وتنتج هذه الفوهات عن اصطدام الأجرام السماوية بالقمر. هذا غير المسميات الأخرى التي أطلق عليها اسم ابن فرناس تقديراً لإنجازاته.
القصة لم توثق تاريخياً، كما أنّ الراوي نفسه لم يشهدها، فقد رويت عن “ويليام” أحد الرهبان في نفس الكنيسة، وقد ولد في نهاية القرن الحادي عشر، ولم يرَ إيلمر ولكن ربما سمع القصة من أحد الرهبان القدماء في الكنيسة عندما كان صغيراً.
حسب ما يروي بعض المؤرخين؛ قام غوستاف بالتحليق بطائرته “الكوندور ٢١” من حقل فيرفيلد بولاية كنتيكت في أغسطس عام ١٩٠١.
لم تنل تجربة غوستاف شهرة واسعة كما حدث للأخوين، ولفترة طويلة كان يعرف الأخوين رايت على أنهما أول من قام بتصنيع طائرة ناجحة بمحرك، ولكن منح اللقب لاحقاً لجوستاف، وقد أثار هذا جدلاً واسعاً في ولاية كنتيكت الأمريكية، لأن غوستاف لم يترك تصاميم توضح ما قام به، وحتى الصور التي وجدت لم يقتنع بها المشككون ويرون أنها ليس دليلاً واضحاً على أنه قام بطيران ناجح.
كانت تجربة الأخوين رايت فريدة من نوعها، فالارتفاع بجسم أثقل من الهواء كان معجزة في ذلك الوقت، وقد تناقلت الأخبار تلك التجربة بكثرة حتى سمع بها العالم أجمع، ومنذ ذلك الوقت أدرك العالم أهمية الطيران وما يمكن أن يقدمه القرن الجديد من إمكانيات لم تكن متاحة آنذاك.
بعدها بدأ العالم يغير مساره، فنشأت شركات الطيران، ومعاهد تدريب الطيارين، واندفع الناس نحو هذه التجربة الجديدة بقوة، ولكن الطائرات التي كانت تصنع في ذلك الوقت لم تكن مبنية على حسابات رقمية، بل على الاختبار والتجربة، فكان صانع الطائرة يدير طائرته وهو غير متيقن من تحليقها، وإلى أي مدى سترتفع، وما مدى أمان هذه الطائرة. فقط عليه أن يجرب بنفسه! ثم يعدل هنا وهناك لتصبح أفضل في المرة القادمة.
أدرك الناس أهمية وجود حسابات رقمية تحكم قانون الطيران بعد أن ظهرت طائرات على أسس علمية مثل طائرة نيوبورت الأوربية أحادية السطح، والتي تعد خطوة متقدمة في عالم الطيران عام 1910، فقد كانت مبنية على حسابات معملية قبل تصنيعها، مما دفع بالعالم الأوربي لاتباع هذا المنهج في التصنيع، وتبعته الولايات المتحدة بعد ذلك حتى لا يفوتها سباق الريادة.
ربما تخللت تلك القصص محاولات أخرى للطيران، ولكن تطرقنا فقط لأبرز ما حكاه لنا التاريخ وتم توثيقه. أما الآن فالأمر مختلف تماماً عما كان قبل قرن من الزمان، وكل ذلك لم يكن إلا حلماً يراود مخيلة أولئك المغامرين، وظل ذلك الحلم يظهر رويداً رويداً حتى بدا لنا الآن حقيقة لا يختلف عليها اثنان. ولا ندري ما هو حلم البشرية القادم.