تطور السيارات الكهربية

1

لا يخفى على أحد منا الانفجار الهائل في صناعة السيارات بأعداد كبيرة وتصاميم جذابة، ومن حين لآخر نرى طراز جديد قد يرغب الكثير من الناس في امتلاكه، وكل ذلك ينصب على الطرقات في المدن، ويعقب ذلك تصاعد متواصل للدخان من عوادم تلك المحركات البترولية المتلهفة لحرق المزيد من النفط كلما تحركت، حتى بات هواء كثير من المدن لا يروق لساكنيها، ولكن على الجانب المشرق هناك سيارات تعمل على مبدأ يختلف عن سيارات الاحتراق الداخلي، فلا دخان يتصاعد منها ولا ضجة كبيرة تصحب تشغيلها، إنها السيارات الكهربائية التي بدأت تنتشر بأعداد متزايدة، ويتوقع أنها ستحل محل السيارات العادية مستقبلاً.

2

في عام 1884 ظهرت عملياً أول سيارة كهربائية في العالم، وكانت من إنتاج المهندس توماس باركر Thomas Parker ولكنها لم تكن فارهة كما نتخيلها، إلا أنها قد تكون قمة الرفاهية في ذلك الوقت.

Kraftdroschke

كما ظهرت سيارة أخري في ألمانيا تعمل بدفع رباعي، وازدهرت السيارات الكهربائية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين. ولكن هذا الازدهار لم يدم طويلاً؛ فالتطور الذي لحق بسيارات الديزل ساهم في خفض تكلفتها كثيراً مقارنة بالسيارات الكهربائية، مما جعل تلك الكهربائية لا ترقى لمعايير سوق المستهلك.

4

وفي عام 1973 بعد حدوث أزمة النفط العالمية بدأ الاهتمام ثانيةً بالسيارة الكهربائية ليس فقط من أجل خفض الاعتماد على النفط المستورد من دول الشرق الأوسط، بل أيضًا لضرورة المحافظة على البيئة. وبدأت الحكومات بسن قوانين لدفع الشركات إلى إنتاج مثل تلك السيارات، حيث أصدرت ولاية كاليفورنيا قوانيناً لإجبار شركات السيارات على إنتاج سيارات ملائمة للبيئة بحيث تشكل 10 % من مجموع السيارات في تلك الولاية حتى عام 2003، إلا أن السيارات الكهربائية المنتجة كانت مرتفعة السعر، فكان ثمنها ضعف أو ثلاثة أضعاف ثمن السيارات المعتادة ولم تنجح السيارة الكهربائية على استجلاب المشتري مما عمل على نبذ شركات السيارات لصناعة السيارات الكهربائية، والالتفات فقط إلى تطوير محركات البنزين لتقليل غازات العادم.

5

يرجع ارتفاع سعر السيارات الكهربائية إلى التكلفة الباهظة لإنتاج خلايا التخزين الكهربائية أو ما يعرف بالمراكم. وتستخدم السيارات الكهربائية بطاريات من نوع ليثيوم-أيون تعادل قدرتها نحو 6,000 ضعف قدرة بطارية الهاتف المحمول. وعند مقارنة محرك الديزل مع المحرك الكهربائي، نجد أن الأول يحتاج إلى 30 كيلوجرام من الديزل لقطع مسافة 400 كيلومتر، بينما يحتاج الكهربائي لبطارية وزنها 450 كيلوجرام للقيام بنفس العمل!

6

بعد عام 2000 ظهرت نماذج متقدمة من السيارات الكهربائية إلا أنها لم تدخل السوق وظلت في طور الاختبار على الرغم من أن منها ما يصل إلى سرعة 210 كلم/ساعة، وذلك نسبة لسعرها المرتفع كما أنها تحتاج 8 ساعات للشحن، وهو وقت طويل في نظر للمستخدم. وقد دفع ذلك بكثير من الدول الصناعية حول العالم لدعم الشركات المنتجة للسيارات لتطوير بطاريات بأسعار منخفضة ويمكن شحنها في وقت قياسي، وذات وزن مناسب. ولا يتم ذلك إلا من خلال مراكز الأبحاث التي هي مصدر الحلول المبتكرة لمشاكل التصنيع، ولذلك يتم إنفاق مليارات الدولارات حول العالم من أجل تحسين تلك المراكز الكهربائية.

7

في عام 2010 بدأ إنتاج ما يعرف بالسيارات الهجينة، وهي نوع من السيارات تعمل بالكهرباء والبنزين معاً، وتبدأ عملها باستخدام الكهرباء حتى نفاد البطاريات، بعدها تبدأ بحرق الوقود. كما اتجهت الشركات الأوربية لتطوير خلايا الوقود الهيدروجينية، وهي خلايا تنتج الكهرباء بتفاعل كهربي كيميائي باستخدام الهيدروجين والأوكسجين، ولكنها تعاني أيضاً من ثقل وزنها، إلا أنها تتميز على بطاريات الليثيوم في عملية الشحن؛ حيث تحتاج السيارات الهيدروجينية إلى 3 دقائق لتخزين 4 كيلوجرام من الهيدروجين في خزان الوقود، وهو ما يكفيها لمسافة 400 كيلومتر. بينما تحتاج بطاريات الليثيوم إلى 8 ساعات للشحن! وتظل المفاضلة بين الإثنين صعبة نوعاً ما، لأن الخلية الهيدروجينية على الرغم من مميزاتها فإنها تحتاج لبنية تحتية قوية تحيط بهذه السيارات، فمحطات الوقود الهيدروجيني لازالت بأعداد محدودة.

8

منذ بدء السيارات الكهربائية ظهرت الكثير من النماذج حول العالم من مختلف الشركات الرائدة في تصنيع السيارات، غير أنه في الآونة الأخيرة ظهر نموذج جديد لسيارة كهربائية صنعت حولها ضجة إعلامية، وذلك لما تستند عليه من أفكار وتطورات جديدة في هذا المجال؛ فالسيارة تستخدم الماء المالح كوسيط لتخزين الكهرباء وهي طريقة غير مسبوقة، وقد تناقلتها الكثير من المواقع الإلكترونية على أنها سيارة تعمل بالماء المالح حتى ظن البعض أنها تستخدمه وقوداً للتشغيل.

9

أطلق على هذا السيارة الفارهة اسم كوانت-إي الرياضية QUANT e-Sportlimousine، وهي نموذج لسيارة رياضية بتصميم عصري أنيق، تبلغ قدرتها التشغيلية 480 كيلوواط، وبها خزانان للوقود سعة كل منهما 200 لتر من الماء المالح، وتبلغ سرعتها القصوى 350 كلم/ساعة، وبتسارع من صفر إلى 100 كلم/ساعة خلال 2,8 ثانية فقط، ويمكنها أن تقطع مسافة تصل إلى 600 كيلومتر قبل إعادة شحنها، وتحتوي السيارة على نظام ذكي مبني على الأندرويد، ويمكن باستخدام الهاتف التحكم في مكونات السيارة… والكثير من الأشياء التي تحكيها شركة “نانو فوسل” عن هذه السيارة التي تعدنا بإنجازها، وبالفعل قد حصلت الشركة على رخصة التصنيع في ألمانيا، أي أننا سنراها قريباً تجول في الشوارع.

10

يبدو بهذا أن مستقبل السيارات الكهربائية مشرقاً، فمن خلالها ستستنشق المدن هواءً أنقى مع مرور الوقت، فالمؤشرات ترمي إلى أن هذه المحركات الكهربائية ستحل محل تلك المحارق النفطية يوماً ما، ولكن هذا يستغرق وقتاً حتى تصبح السيارات الكهربائية في متناول الجميع، ولكن تبقى هناك عقبة أخرى، وهي إنتاج الطاقة الكهربائية نفسها؛ فإذا تم ذلك بالاعتماد على مصادر نفطية فالمشكلة البيئية ستظل قائمة حتى وإن اختفت غازات العوادم وسط المدن، أما إذا تم عن طريق مصادر متجددة فهذا هو الحل النهائي.


NewerStories OlderStories Home

0 comments:

Post a Comment