1

هنا في مدينة إسطنبول يقف هذا الصرح الشامخ شاهداً على المزيج الرائع بين العمارة البيزنطية التي تتخللها الزخرفة العثمانية بالنقوش العربية، إنها آيا صوفيا التي ظلت صامدة لقرابة 15 قرناً من الزمان، ولا يزال مبناها العتيق يقف منتظراً أن يمر عليه المزيد من السنين وكأنه شيخ كبير يقف مجبراً على البقاء.

2

تتميز آيا صوفيا بطرازها الكاتدرائي[1] المقبب الذي جعل منها تحفة معمارية لا مثيل لها في عهد الإمبراطور جستنيان الأول، وقد بنيت على أنقاض كنيسة أقدم بناها الإمبراطور قسطنطين وانتهت عام 360م، فتم بناء واحدة مكانها أطلق عليها في البداية “ميغالي أكليسيا” أي (الكنيسة الكبيرة) ثم سميت بعد القرن الخامس “هاغيا صوفيا” أي (الحكمة المقدسة) وكأنها مكان للحكمة الإلهية المقدسة، هذا ما تعنيه تسمية “آيا صوفيا” وكانت في البداية ذات سقف خشبي، وهذا ما عرضها للاحتراق خلال حركة تمرد نشأت في ذلك الوقت، فتم بناء واحدة أخرى بجدران حجري وسقف خشبي أيضاً، ولكنها الأخرى لم تسلم واحترقت بالكامل. وكان ذلك في عهد الإمبراطور جستنيان الأول.

3

أراد جستنيان أن يكون تصميم كنيسته الجديدة غير مألوف، فأوكل ذلك إلى أشهر معماريي العصر في ذلك الوقت، فتولى المهمة المعماريان “أيسيدروس” و “أنتيميوس” وقد أبدعا بالفعل في إنتاج صرح إمبراطوري فخم يعكس تطور المعمار البيزنطي خلال تلك الفترة، فكانت قبة آيا صوفيا تتسع على قطر 30 متراً، وارتفاعها 55 متراً، بينما يبلغ طول المبنى الكلي 100 متراً، وقد استغرق بناءها 5 سنوات متواصلة من دون الانتهاء من الزخارف.

4

ترسو تلك القبة الضخمة فوق الصالة الرئيسية للكنيسة، ويسندها من الأسفل قاعدة مربعة تقف على دعامات ضخمة، وتستند القبة من الشرق والغرب على أنصاف قباب ضخمة وترسو بدورها على عقود ودعامات سفلية تخفف الضغط على الحوائط، وتغطي القبة من الداخل طبقة من الرصاص لحمايتها من العوامل الجوية، ويوجد في اسفلها نوافذ تفتح للإضاءة، وهناك صالات جانبية غير الصالة الرئيسية، كما يوجد بالفناء درج يؤدى إلى طابق علوي مخصص للسيدات، وأضيف إلى المبنى بعد ذلك مجموعة من المباني الدينية الملحقة به والتي كانت تتصل بطريقة ما بالمبنى الرئيسي، فهناك مجموعة من الكنائس الصغيرة التي تحيط بالمبنى والعديد من الحجرات سواء كانت لرجال الدين أو لخدمة أغراض الصلاة.

5

كان الاهتمام المعماري موجهاً نحو تجميل المبنى وزخرفته بدرجة كبيرة من الداخل، وقد سخر جستنيان جميع إمكانيات الامبراطورية لزخرفة وتزيين المبنى، فجزء كبير من الحوائط مغطى بألواح من الرخام بأنواع والوان متعددة.

  وما يميز تلك الأشكال على الحوائط هو استخدام فن “الفريسكو” الذي يتم فيه تشكيل الجبس وتلوينه لكسوة الحوائط. وكذلك فن الفسيفساء الذي استخدم بكثرة في الفن البيزنطي، وهو استخدام الحجارة الصغيرة، ورصفها بطريقة فنية رائعة لتكوين زخارف وأشكال قد تكون لشخصيات دينية أو شخصيات بارزة في الدولة.

7

بعد حوالي عشر سنوات فقط من إقامة المبنى تصدع الجزء الشرقى من المبنى نتيجة حدوث هزة أرضية في المنطقة، وسقط جزء كبير من القبة الضخمة فأمر جستنيان بإعادة بنائها مرة أخرى بحيث أصبحت أكثر ارتفاعاً من السابقة، وقام بتدعيم الأساسات التي ترسو عليها القبة وهذه هي القبة التي ما زالت قائمة حتى الآن، والتي استطاعت ان تصمد لكافة الأحداث منذ بنائها. وظلت آيا صوفيا مركزاً لسيادة الدولة البيزنطية واستمرت مركزاً للدين المسيحي لفترة طويلة حتى دخول الفتح الإسلامي عام 1453 م للقسطنطينية حيث كان لا يوجد للمسلمين في المدينة مسجد جامع ليصلوا فيه الجمعة التي تلت الفتح، فلم يسعف الوقت من تشييد جامع جديد في هذه المدة الزمنية الضئيلة، فأمر السلطان محمد الفاتح بتحويل “آيا صوفيا” إلى جامع، ثم بعد ذلك قام بشرائها بالمال، وأمر كذلك بتغطية الرسومات الموجودة بداخلها ولم يأمر بإزالتها، حفاظًا على مشاعر النصارى.  وما زالت الرسومات موجودة بداخلها إلى الآن، ويدل على ذلك أنها ظهرت مرة أخرى بعد سقوط كثير من طبقات الجبس.

9

بعد تغطية الرسومات بالجبس تم رسم أشكال وزخارف هندسية وخطوط عربية تعكس وجود التراث الإسلامي، كم تم ترميم المبنى وإضافة منارة إليه، ثم أضيفت منارة أخرى في زمن السلطان بايزيد الثاني، وقد كانت آيا صوفيا مسجداً لمدة 481 سنة ليحوله أتاتورك إلى متحف سنة 1934 وكأنه يعلن بذلك نهاية الدولة الإسلامية.

10

ولا تزال “آيا صوفيا” تقف مكانها حزينة شاهدة على نهاية الحضارات، تحكي قصة طولية بدأت مع مولدها منذ حوالي 15 قرناً من الزمان. ولكن الحكاية لم تنتهي بعد فلا تزال أيا صوفيا واقفة مكانها في هدوء وكأنها تريد أن تكمل الحكاية.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] الكاتدرائية هي كنيسة مسيحية (بالإنجليزية Cathedral ) تستخدم كمقر لمطران الأبرشية. المصطلح مستخدم في الكنيسة الكاثوليكية والكنيسة الانغليكانية وبعض الكنائس اللوثرية.

متطرفون إسرائيليون يجددون حلم "من النيل إلى الفرات".. يتداولون خريطة لـ"مملكة داوود" المزعومة.. تضم مصر وفلسطين والأردن وسوريا ولبنان وجزءا من العراق والسعودية.. وعلماء: لا توجد دلائل تاريخية لوجودها


الجمعة، 1 أغسطس 2014

















كتبت رحاب عبداللاه


تداول عدد من النشطاء الإسرائيليين على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" خريطة عما وصفوه بـ"مملكة إسرائيل الكبرى - مملكة داود"، وتضم الخريطة لإسرائيل الكبرى مصر وفلسطين والأردن وسوريا ولبنان وجزءا من العراق والسعودية. 

ويأتى تداول هذه الخريطة تزامناً مع قصف جيش الاحتلال الإسرائيلى لغزة وسط دعم أمريكى للمجازر التى يرتكبها الإسرائيليون فى حق الشعب الفلسطينى، ووسط تجدد احلام شباب إسرائيل فى توسيع رقعة الأراضى المحتلة حسبما توضح الخريطة المتداولة على نطاق واسع فى أوساط الإسرائيليين على شبكة الإنترنت.

ويرى خبراء أن هذا المخطط فى توسيع خريطة ما يوصف بالشرق الأوسط الجديد تحت سيطرة إسرائيلية يأتى بدعم أمريكى كبير لضمان استقرار المنطقة على حد زعمهم.

وحسب عقيدة اليهود وحلمهم فى بناء "إسرائيل الكبرى" والتى لا تضم بيت المقدس فقط، ولا أرض الشام فحسب بل هى أكبر من ذلك بكثير، فهم ينسبون إلى التوراة المنزلة على موسى عليه السلام عندما قرر اعتزال أبيه وقومه "اذهب من أرضك ومن عشيرتك ومن بيت أبيك إلى الأرض التى أريك"، أما حدود هذه الأرض فتدل عليها نصوص أخرى "وظهر الرب لإبرام وقال: لنسلك أعطى هذه الأرض، فبنى هناك مذبحا للرب"، "ففى ذلك اليوم قطع الرب مع إبرام ميثاقا قائلا: لنسلك أعطى هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات".

"مملكة إسرائيل" هو اسم مملكة جاء ذكرها فى التوراة كمملكة لجميع أسباط بنى إسرائيل الاثنى عشر، سماها باحثو التوراة بمملكة إسرائيل الموحدة للتفريق بينها وبين مملكة إسرائيل التى انفصلت عنها لاحقاً (إضافة إلى مملكة يهوذا)، وهذه المملكة الموحدة حكمها كل من شاول، وداود وسليمان، وتوصف هذه المملكة فى سفرى صموئيل الأول والثانى كاتحاد لأسباط بنى إسرائيل، ومن تحليل نصوص السفرين، يقدر معظم دارسى العهد القديم تبعاً لما ورد فيه فترة وجود هذه المملكة الموحدة بأكثر من 100 عام، أى منذ سنة 1050 قبل الميلاد وحتى سنة 930 قبل الميلاد تقريبا.

وكانت المملكة حسب النصوص التوراتية تمثل الجزء الجنوبى الغربى لبلاد الشام، أى منطقة فلسطين، ولكن لا تشمل الفينيقية والأراضى الساحلية الجنوبية التى خضعت لسلطة الفلستينيين وباقى شعوب البحر.

واسم "مملكة إسرائيل الموحدة" لا يدل على دولة إسرائيل الموجودة حاليا فى الشرق الأوسط، غير أن اليهود المعاصرين يظنون أنفسهم أبناء مملكة يهوذا الجنوبية التى انفصلت حسب الرواية التناخية عن مملكة إسرائيل الموحدة، ويرى معظمهم الأحداث التى جرت على هذه المملكة المفترضة كجزء من تاريخ أتباع الديانة اليهودية ودولة إسرائيل الحالية التى يفترض بها أن تكون دولة اتباع الديانة اليهودية، كما يتم تدريس ذلك فى مناهجهم الدراسية، وهذا هو أحد أسباب اختيار اسم "إسرائيل" للدولة اليهودية عند تأسيسها عام 1948.

وتكشف النصوص القديمة، وتفسيراتها القديمة والمعاصرة بوضوح عن حدود تلك الأرض الموعودة والتى وعد بها إبراهيم الموصوفة فى كتاب موسى والتى تمتد من جبل هور إلى مدخل حماة، ومن نهر مصر العريش إلى النهر الكبير نهر الفرات، وأكثر هذه الأراضى كانت تحت سلطة سليمان عليه السلام فكان التخم الشمالى حينئذ سوريا، والشرقى الفرات وبرية سوريا، والجنوب برية التيه وأدوم فى سيناء، والغربى البحر المتوسط".

فى حين لا توجد أى دلائل تاريخية أو أثرية على وجود مملكة إسرائيل الموحدة، ولكن هناك بعض الدلائل لوجود مملكتين منفصلتين لم تتوحدا- مملكة السامرة أو مملكة بيت عُمرى أو إسرائيل فى منطقة المرتفعات الشمالية من فلسطين التاريخية، ومملكة يهوذا فى المرتفعات الجنوبية. 


وأدت طبيعة المعثورات الأثرية إلى أن بعض المؤرخين والأثريين، أبرزهم البروفيسور إسرائيل فينكلستاين من جامعة تل أبيب والمؤرخ نيل آشر سيلبرمان من بوسطون، أكدوا أن فكرة أن توحيد مملكتى إسرائيل ويهوذا لا يعدو كونه اختراع لكتبة التناخ، يهوذيى الأصل، بدوافع أيديلوجية، وأن وصف المملكة الموحدة فى الكتاب المقدس مبالغ فيه لصالح الدعاية الدينية والسياسية. حسب هذه النظرية، أراد أدباء مملكة يهوذا، التى بقيت بعد خراب مملكة إسرائيل الشمالية، الافتخار بالملوك من الأصل الجنوبى (اليهوذى) فاوصفوهم كقادة ضموا لنفوذهم مملكة إسرائيل وكمن دلوا بنى إسرائيل إلى طريقة العبادة الصحيحة.

ويقول الأثرى والثيولوجى توماس تومبسون من جامعة كوبنهاجن عن تاريخ منطقة فلسطين فى القرن الـ10 ق.م: "إن كتاب العهد القديم يقدم لنا تاريخاً لا يمكن الوثوق به، وما صرنا الآن نعرفه عن تاريخ سوريا الجنوبية، وما نستطيع إعادة بنائه اعتماداً على الشواهد الأثرية، يعطينا صورة مختلفة تماماً عن الصورة التى تقدمها الروايات التوراتية"، وبالمثل يشير إريك كلين "إن كثيراً مما ورد فى التوراة حول القدس يثير انقساماً فى الوقت المعاصر".

NewerStories OlderStories Home